إلهٌ خسر السماء كلّها | شعر

 

ثلاث نقاطٍ على سطر

 

(1)

قدر الغزلان أن تركض،

أسرع من ظلّها،

كي تلتقي الموت

وأنا أقطع عمري ببطءٍ

كي أتلافاه

 

(2)

هناك، في أقصى القصيدة

أفضل لحبّنا من بدايتها،

أقول لها، وهي تختار أبعد الحروف

موطئًا للخطيئة

 

(3)

كلّ الأنهر،

تقطع المدن إلى نصفين وتُبْقيها كاملة

 

 

في تأويل المعجزة

 

لا تسأليني لماذا نجوتُ من الحروب كلّها

ومن أثر الرواية

وأَسْرِ القداسة

والمعجزات

من صوتك تبدأ تغريبتي

من ضحكةٍ هوت في قلبي كما تهوي غيمةٌ في البحر

أعطني يدك كي أقرأ ما فاتني، وأنا غائبٌ

من جيوشٍ تجرّ مفاتيح المدائن وأممٍ تقدّم أجمل نسائها للأنهر

وعاشقين يبوحون بالحبّ للحمام الزاجل

من خطوطٍ نمتْ هناك كما ينمو القصب في مسارب الماء

خطّ الحبّ والغيب

وخطّ العمر والجمر

وخطّ الأراجيح

وخطّ الحرائق في الريح

وخطّ القوس الّذي يخطئ

والسهم الذي يصيب

وخطّ انكسار الغمام

وخطّ اليمام

وخطّ القيامة القائمة

هبيني خطًّا واحدًا كي يصير الوجود ودودًا،

فأمشي كما يمشي الّذين لم يربحوا شيئًا

ولم يخسروا

كأنّي رجلٌ ذاهبٌ إلى السوق صدفةً

أو إلهٌ خسر السماء كلّها

فلا تسأليني كيف نجوتُ من الحروب جميعها

من أثر الرواية

وأَسْرِ القداسة

والمعجزات

ولماذا دخلتُ قصائدك

وتبعتُ الوجد في عينيك الواسعتين

 

دلّيني على بابٍ رحبٍ كصحراءَ كي أخرج منّي

ومن إرثي المدوّن في المصاحف

تعوزني واحةٌ من نخيلٍ

وكثيرٍ من المها المدرّبة على الفرار من الكمائن

يعوزني عناقٌ أطول من طريق الحرير

ومن صبر الطوارق على العاصفة

يعوزني السير في خطوط يديك

كي أكون،

أميرًا شهيًّا صقلته البراري وأرضعته الظباء

أو فتًى شقيًّا يطارد الحجل في أعشاشه

يعلّق ضحكته لك وشمًا أزرقَ

يغنّي على مقامك

ويرمي قلبه آخر النهار في جدول الماء

 

دعيني أمرّ إليك كما يمرّ الغريب إلى وطنٍ في المنافي

يحمل الكونَ في قلبه وذاكرةً تضيق عليها الجهات

دعيني أقول لك ما لم أقله لامرأةٍ من قبل

وألثم الألق عن توأميْ حجلٍ

وساقيْ غزالٍ

وأنأى وأدنو

كأنّي جوابٌ وأنت سؤال

ونرحل إلى كوكبٍ لم تصله شهقةٌ قبلنا

لم تصله رعشةٌ مشتهاةٌ

نغيب ونفنى

صورتين في مجاز اللغات

فهلّا عرفتِ لماذا خسرتُ الحروب كلّها

ونجوتُ من أَسْرِ الرواية

وأثر القداسة

والمعجزات!

 

 

تقلّ الأشياء ونزيد نحن

 

في البوح

ينتهي الزمان والمكان

ونبدأ نحن

أنا وأنتِ

 

في البوح

تضمّين خسائرك إلى خسائري

وتضرمين فيها النار

ونحن نضحك

 

في البوح

أقول لك كلّ الوجع وتقولين

ونظلّ على قيد

الحياة

 

في البوح

ينتهي التأويل

ويدخل الجسد المدارَ

كنيزك

 

في البوح

تعترفين أنّ الهزائم أبقت على نهديك

علامتين في طريقٍ لا تمرّ بها القوافل

وأعترف بكلّ حروبي الخاسرة

وبحاجتي إلى جسدٍ يعمّدني

في ناره

 

في البوح

نتساوى في الحضور والغياب

في الإيقاع

في الغناء

في الضحكة

في الرغبة

والفناء

 

في البوح

تمّحي النقاط والفواصل

ونصير حرفين عاريين

يجريان حافيين نحو

النهر

 

في البوح

نقيم في الهيوليّ ردحًا

فلا يعرفنا أحدٌ ولا

نحن

 

في البوح

تطير الأردية مع الريح

ويبقى الجوهر البشريّ

 

في البوح

تستوي الأرض

فلا حصًى نخبّئ تحتها سرًّا

ولا عشبةً تستر في ظلّها

نزوة

 

في البوح

تتمدّد الخيبات إلى جانبنا في السرير

مطمئنّةً، ونحن

 

في البوح

تبدأ النشوة من وردة في الصمت

وتجتاح الكون

 

في البوح

يخضرّ القلب كإلهٍ صغيرٍ أفلت من يدٍ

وطار أمامنا مثل

فراش

 

في البوح

تختفي الحدود

ونشتبك كعوسجتين

على باب الشعر

 

في البوح

تشتعل الحرائق

وتهبّ العواصف

ونحن هادئان

نجمع ما طلع فينا

من زنابق

 

في البوح

يهوي معمار اللغة

ويسقط النحو في الهوّة

ونظلّ جوهرةً

يبدأ منها الوجود

 

في البوح

تقلّ الأشياء

ونزيد نحن

 

في البوح

نربح كلّ ما خسرناه

ولم نقلْ لأحد

 

في البوح

يطلع شجر الحنّاء

على أكفّنا

وتولد الظّباء

 

في البوح

نولدُ من بعضنا

ونطير في المدى

 

في البوح

نصعد أعلى مقامٍ

ثمّ نهبط ونحن نغنّي:

الرتم سرّ الوجود

الرتم سرّ الوجود

الرتم سرّ...

الرتم...

الر...

سرّ الوجود

 

في البوح

حدائق بابلَ

 

في البوح

صداقتُنا الباهية

 

في البوح

نكون ما نريد

ولا نعتذر

 


 

مرزوق الحلبي

 

 

 

شاعر وناقد من فلسطين، يكتب في عدد من المنابر الفلسطينيّة والعربيّة. يعمل وينشط في الجانب الحقوقيّ والمجتمع المدنيّ. له مجموعة شعريّة بعنوان "في مديح الوقت".